الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

هلوسة 1

فكرت بداية بأن أبدأ الحديث عن ما يؤرقني كفتاة شرقية... فتبين لي أن ما يؤرقني بالفعل هو كوني فتاة شرقية.. أي أنثى وبمجتمع شرقي، فتخيلوا يا رعاكم الله هذه المعادلة الصعبة....فتاة مكتملة الأنوثة في مجتمع يحسب علي أنفاسي... لربما يفهم بعضكم حديثي هنا كما تعودنا أن نفهم الأمور (بطريقة خاطئة يعني)، ربما يقول أحدكم أنه رأى من وراء هذه الكلمات دعوة صريحة لتبني الثقافة الغربية (الحجة الدائمة) لدفع فتياتنا نحو الرذيلة وسوء السلوك، أو كدعوة فاجرة لإباحة جسد المرأة العربية المحافظة وتدنيسه، أو أنه (وهذا أضعف الإيمان) دعوة لمساواة المرأة بشكل كامل (انتبهن أن هذا أكبر الحراااااااام) مع الرجل (سيدك وتاج راسك)... كل هذا من الممكن أنكم بدأتم بالتفكير به لمجرد حديثي عن محاولة سحب أنفاسي لداخلي بحرية ما، ولكن ربما لن أخوض غمار هذه الأمور الآن وسأتحدث عن شيء آخر يتعلق بالنساء ولكنه من العيار الخفيف الذي من الممكن لكم استيعابه، وخصوصاُ أنها المرة الأولى للكتابة على هذه الصفحات، صادفني بالأمس وأنا بطريقي إلى العمل ( وهي طريق طويلة بالمناسبة) رجل بدوي افتتح حديثه بشتم جميع النساء وختمه بحمد الرب وشكره لأنه لم يعاقبه بإبنة أو أخت، تأملت ملياً بهذا الرجل وتفكرت بكلماته احفظ فرجك واتقي الله يعينك وإن فتحت مبعرك بلاك الله، لم أفهم الرابط العجيب بين النساء ولعنة الله على من يرزق بفتاة وهذه الجمل المعترضة، كان الرجل بدوي تجاوز السبعين من عمره أتى إلى رام الله لعيادة عليل (على حد تعبيره) يفخر بالهوية البرتقالية القديمة (الإسرائيلية) ولن يبدلها طالما هو حي لشعوره بأنها توأمه وهرمها من هرمه (وربما هذا ينطبق على جميع تصرفاته فهو غير مستعد لتغيير وجهة نظره التي هرمت معه حول النساء).... يكره الحضر ولا يزورهم إلا في حال اضطراره لذلك، هذا الرجل وضعني أمام تساؤلاتي الدائمة والمستمرة ما الذي نعنيه كنساء في هذا المجتمع؟ أو هل نمثل فعلاً لهؤلاء الرجال القيمة التي نستحقها؟ هذه التساؤلات تفجرت بازدياد عند الحديث الذي دار بين ركاب التكسي وصديقنا هذا حول سهولة الزواج في السابق وصعوبته هذه الأيام، وحول عدم تمكنه من الزواج بأخرى لارتفاع تكاليفها (أي الزوجة الثانية)، وكأن مهور النساء ترتبط بجدول الغلاء المعيشي واقتصاديات السوق، فكما لاحظنا ازدياداً في الأسعار بكل عام لا بد من ازدياد السعر على هذه البضاعة (الزوجات)، وهنا لا تتخيلوا جمال وبداهة التعليقات التي تناثرت من ركاب التكسي من هنا وهناك مع الضحكات المكتومة حول الزواج بشتلة بلح أو بعشرين رعية (غنمة) مقارنة بالزواج بآلاف الدنانير، ولم نتخلص من النصائح الذهبية حول المنطقة الأرخص للزواج، فبنات الشمال يقبل أهلهن بالقليل، لكن الجنوب عكس ذلك فالعائلة تضع الفتاة بكفة والمهر بكفة أخرى (حسب الوزن يعني... نيالك يالونا)، استمر النقاش والضحك مع استمرار تألمي لسماع هذه الكلمات (لا أخفي عليكم ضحكي في كثير من المواقف لهزلها الشديد)، لم أشارك بالحديث ولن أشارك بمثله لو تكرر أمامي، لربما لمحاولتي الاحتفاظ بألم الرد المعاكس حال بدئي بالنقاش، فأجوبة الجماعة لاذعة وجاهزة.... "هيك همه بضاعة" ردد البعض... "اعذروني لو كنت أطلت عليكم بالحديث ... وسامحونا" قالها رجلنا وأوقف التاكسي ليذهب لعليله... تأملته ملياً من زجاج السيارة رجل هرم يحتفظ ببداوة هرم معها منذ أكثر من سبعين عام، ونظرت لباقي ركاب التاكسي من الحضر ومعظمهم من الشباب وتفكرت ملياً .... هل هو من يجب أن نسامحه؟؟

لونا داود عريقات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق