الخميس، 15 ديسمبر 2011

مقالة خنفشارية

في هذا المجال القانوني لا بد من النظر إلى خيار الفقوس الذي يعمل من خلال البناء القومي اللامنتمي في إطار البحث الأكاديمي الأكادي الذي يوحد الأعراق والأديان ضمن منظومة العمل الجماهيري الشعبي.
في نطاق طرح المشاكل أرضاً والعمل على ايجاد الحلول السليمة وليست العقيمة والتي تنبع من الجدل الأوسع للخيار القومي والوطني الذي تنادي به الحركة النسوية الفلسطينية منذ بدء انشائها وحتى لحظة الحقيقة المرة التي تقع على رؤوسنا جميعاً دون تمييز بسبب العدو المشترك الذي يواجهنا جميعا نساء ورجال وأطفال وشيوخ.. العولمة.
في نطاق الحديث المركز عن العولمة القومية اللامنتمية لأسس البناء الجدلي الميتافيزيقي فإننا نؤكد كأطر وطنية مثقفة تمثل نخبة الشعب الفلسطيني أن الخيار الأوحد لضمان الحريات ولبعث الروح الوطنية من جديد أمام الجيل الفلسطيني الجديد غير الواعي لقضاياه الوطنية هي من خلال تعبئته ونشر ثقافة الحاجز والمحجوز التي ينادي بها كبار قادة الوطن ورؤوس أموالها، هذه السياسية التي تسعى للتأكيد على دونية المثقف الفلسطيني واندماجه مع المجموع الشعبي والرعاع والتأكيد على ضآلة الفكر واستبسال قيادتنا بالدفاع عن القميء الذميم في وجه الحياة والجمال والابداع، ورجوعاً للابداع فإنني وبشكل خاص أرى أن مسألة الإبداع غير متعلقة بالجديد فقط، وانما وكإطار فلسطيني للابداع فهي تتعلق أيضا بالغريب والغير مفهوم، فعند تجمع هذه الصفات الثلاث لأي عمل سواء مهني أو فني أو وطني فإننا بالتأكيد نتحدث عن حالة ابداع فلسطيني. 
ومن المهم التركيز في التوعية العامة على مسألة النموذج الأوحد المقدس الذي لا بد وأن يكون أساس لكل مواطن ملتزم بقضايا شعبه الوطنية والقومية والأممية، إن النموذج الأوحد هو أفضل ما تمخض عن العقلية الفذة التي تنتهجها المؤسسات الفلسطينية العامة والخاصة، فالأساس الفني للعمل المؤسساتي نابع من الرؤية الفردية التمويلية البحتة في نطاق عولمة المصادر الشعبية وتأطير النظام الوطني العام.
فالزيارة التي لا بد من القيام بها عند المغيب لا تختلف عن تلك التي نبحث عن حقائقها في بدايات القرن الواحد والعشرين، والجماليات الفنية التي نسعى لتأكيدها تبلغ السن القانوني التوحيدي للأصفهاني، ويتأكد المنظور الهندسي للفراغية المكانية من أغنية المبدع الصوفي بشار زرقان "عجبت منك" فالتعجب الواضح هنا يقصد به التعجب الأعم من الحياة اللامنطقية في اللامحتوى الفراغي الاشعاعي المعد في مختبرات الرعاية الطبية.
ونهاية أرجو أن تكون مقالتي هذه قد وضعتكم أمام تحديات الحياة والتحديات النفسية التي تعيشونها وأكدت على القرار الوطني السليم في تبني رأس المال العشائري الفذ في الخطاب الوطني اللامتناهي الغباء، مع التأكيد على حق العودة والتعويض حسب قرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية 242 و338 والمتعلقة بالانسحاب دون قيد أو شرط من المناطق المحتلة عام 1967 بما فيها مدينة القدس، وعدم الخضوع للتوجه العربي المتخاذل في المسار القومي الاشتراكي، مع تأكيد تعزيز دور المرأة الفلسطينية في صنع عملية السلام، لأن النساء أقدر على صنع السلام ومعاً وسويا على طريق تحرير الأرض والإنسان.

كتبت المقال إنسانة عظيمة عظيمة تسعى لحرية الحلزونة اينما كانت
لونا داود عريقات

الثلاثاء، 13 ديسمبر 2011

هلوسة 1

فكرت بداية بأن أبدأ الحديث عن ما يؤرقني كفتاة شرقية... فتبين لي أن ما يؤرقني بالفعل هو كوني فتاة شرقية.. أي أنثى وبمجتمع شرقي، فتخيلوا يا رعاكم الله هذه المعادلة الصعبة....فتاة مكتملة الأنوثة في مجتمع يحسب علي أنفاسي... لربما يفهم بعضكم حديثي هنا كما تعودنا أن نفهم الأمور (بطريقة خاطئة يعني)، ربما يقول أحدكم أنه رأى من وراء هذه الكلمات دعوة صريحة لتبني الثقافة الغربية (الحجة الدائمة) لدفع فتياتنا نحو الرذيلة وسوء السلوك، أو كدعوة فاجرة لإباحة جسد المرأة العربية المحافظة وتدنيسه، أو أنه (وهذا أضعف الإيمان) دعوة لمساواة المرأة بشكل كامل (انتبهن أن هذا أكبر الحراااااااام) مع الرجل (سيدك وتاج راسك)... كل هذا من الممكن أنكم بدأتم بالتفكير به لمجرد حديثي عن محاولة سحب أنفاسي لداخلي بحرية ما، ولكن ربما لن أخوض غمار هذه الأمور الآن وسأتحدث عن شيء آخر يتعلق بالنساء ولكنه من العيار الخفيف الذي من الممكن لكم استيعابه، وخصوصاُ أنها المرة الأولى للكتابة على هذه الصفحات، صادفني بالأمس وأنا بطريقي إلى العمل ( وهي طريق طويلة بالمناسبة) رجل بدوي افتتح حديثه بشتم جميع النساء وختمه بحمد الرب وشكره لأنه لم يعاقبه بإبنة أو أخت، تأملت ملياً بهذا الرجل وتفكرت بكلماته احفظ فرجك واتقي الله يعينك وإن فتحت مبعرك بلاك الله، لم أفهم الرابط العجيب بين النساء ولعنة الله على من يرزق بفتاة وهذه الجمل المعترضة، كان الرجل بدوي تجاوز السبعين من عمره أتى إلى رام الله لعيادة عليل (على حد تعبيره) يفخر بالهوية البرتقالية القديمة (الإسرائيلية) ولن يبدلها طالما هو حي لشعوره بأنها توأمه وهرمها من هرمه (وربما هذا ينطبق على جميع تصرفاته فهو غير مستعد لتغيير وجهة نظره التي هرمت معه حول النساء).... يكره الحضر ولا يزورهم إلا في حال اضطراره لذلك، هذا الرجل وضعني أمام تساؤلاتي الدائمة والمستمرة ما الذي نعنيه كنساء في هذا المجتمع؟ أو هل نمثل فعلاً لهؤلاء الرجال القيمة التي نستحقها؟ هذه التساؤلات تفجرت بازدياد عند الحديث الذي دار بين ركاب التكسي وصديقنا هذا حول سهولة الزواج في السابق وصعوبته هذه الأيام، وحول عدم تمكنه من الزواج بأخرى لارتفاع تكاليفها (أي الزوجة الثانية)، وكأن مهور النساء ترتبط بجدول الغلاء المعيشي واقتصاديات السوق، فكما لاحظنا ازدياداً في الأسعار بكل عام لا بد من ازدياد السعر على هذه البضاعة (الزوجات)، وهنا لا تتخيلوا جمال وبداهة التعليقات التي تناثرت من ركاب التكسي من هنا وهناك مع الضحكات المكتومة حول الزواج بشتلة بلح أو بعشرين رعية (غنمة) مقارنة بالزواج بآلاف الدنانير، ولم نتخلص من النصائح الذهبية حول المنطقة الأرخص للزواج، فبنات الشمال يقبل أهلهن بالقليل، لكن الجنوب عكس ذلك فالعائلة تضع الفتاة بكفة والمهر بكفة أخرى (حسب الوزن يعني... نيالك يالونا)، استمر النقاش والضحك مع استمرار تألمي لسماع هذه الكلمات (لا أخفي عليكم ضحكي في كثير من المواقف لهزلها الشديد)، لم أشارك بالحديث ولن أشارك بمثله لو تكرر أمامي، لربما لمحاولتي الاحتفاظ بألم الرد المعاكس حال بدئي بالنقاش، فأجوبة الجماعة لاذعة وجاهزة.... "هيك همه بضاعة" ردد البعض... "اعذروني لو كنت أطلت عليكم بالحديث ... وسامحونا" قالها رجلنا وأوقف التاكسي ليذهب لعليله... تأملته ملياً من زجاج السيارة رجل هرم يحتفظ ببداوة هرم معها منذ أكثر من سبعين عام، ونظرت لباقي ركاب التاكسي من الحضر ومعظمهم من الشباب وتفكرت ملياً .... هل هو من يجب أن نسامحه؟؟

لونا داود عريقات

الاثنين، 12 ديسمبر 2011

حُمى

لم تعد حبوبي المهدئة تحتمل ألمي أو تحتملني، أبالغ بابتلاع حبوبي المهدئة لئلا استيقظ على خيبتي، الكحول تزيد من حزني بشكل كبير فبعد عدد من الكؤوس أدخل في حالة عجيبة من الحزن واليأس، لهذا قررت أخيراً أن أستمع لكلام صديقي، فلن يلهيني عنه سوى مخدر قوي، سينتزعني المخدر من عالمي تماما سيضفي اللون والطعم والرائحة على يومي، سيعيد بعضاً من حواسي المعطلة تماما الآن، سأطير منتشية وأعاود الحلم مع التحليق، لا زلت أملك الكثير لأنفقه على هذا الإحساس، لا زلت أملك المال والشباب، وسأنفقهما على استعادة احساسي بالحياة.
تناولت هاتفي النقال من جانب سريري الذي لازمته كثيراً منذ فراقنا، متثاقلة بصداع رهيب بحثت عن رقمه وضغطت على خيال الإشارة الخضراء، سمعت صوته البعيد وبدون مقدمات قلت له إني أحتاجك، لا بل أحتاج ما يجعلك منتشياً لتبدع، رأيت ابتسامته عبر الهاتف وباقتضاب قال: إذاً سأوافيكي في وسط القدس بعد ساعة وسنحضر مأونتنا سوياً.
تثاقلت وببطء شديد ارتديت ملابسي، لم احتار فيما أرتدي بل كل ما عرفته أنني كنت بحاجة للون الأسود، اختارت اللون يداي دون أي مساعدة مني، ارتديت الملابس واتجهت إلى موقف الباص الذي يقع على بعد شارعين من منزلي بكسل كبير كنت أمشي لفحني الهواء وكأن الريح كانت تصفعني على وجهي باستمرار، كنت أفكر بشكل مبعثر لطالما توجهت إلى هذا الموقف راقصة فرحة بأبهى حللي منتظرة مروره من هنا ليقلني إلى مخبأنا السري، كما كان يحب أن يطلق عليه (مخبأنا السري): "كل ما بيننا جميل لأنه سري، وأنت أجمل أسرار حياتي وأبهاها"، "أنا سعيد بمجرد مرورك بحياتي"، "أحلم بخيانات مستمرة"، "ما بيننا شيء وثني لا نسيطر عليه"، "لن يتغير ما بيننا ما حيينا"، "أي تغيير بحياتي لن يؤثر فينا"، جمله تسيطر على رأسي أحبها أعيشها وأكره هشاشتها وهشاشتي من دونه، أجل إنني أريده قربي بكماله البهي، أحن لكل التفاصيل حتى من كان منها مؤلماً، أن أعيش بالألم معه خير من أن أعيش الألم بدونه، اللعنة على الحياة، اللعنة عليي، اللعنة عليه وعلى نسله.
استقليت الحافلة (الباص) وتوجهت لمحطة الباصات المركزية في وسط المدينة، كانت رؤيتي ضبابية فكل الأفكار التي طرأت على رأسي كبرت غصتي في الحلق وملأت عيناي بالعتمة، لم أميز أمامي أحد واصطدمت بالكثيرين أثناء توجهي لمكان اللقاء، هناك عند زاوية المصرارة مقابل باب العمود وقفت منتظرة، اتكأت على عمود الكهرباء العتيق وأخرجت من حقيبتي سيجارة وبدأت انفث دخانها في المكان، لا زلت أختار نوعه المفضل من السيجار واشتم عبقه يتخلل رائحة الدخان المنبعث من السيجارة، امتلأت وامتلأ المكان من حولي برائحة الدخان، وانعدمت الرؤية أمامي تماماً.
وسط الدخان وأنفاس الذكريات المتقطعة والانهمار لمحت صبياً لم يتجاوز الخامسة عشرة يقف بجانبي مبتسماً مع عربة ترمس متللة ومزينة بقطع الليمون ونثرات من البقدونس الذابلة، لم يستطع الحفاظ على هدوء ابتسامته مع الركض المفاجئ للباعة من حولنا، فشرطة البلدية قادمة للمكان، هبطوا بجانبي بشكل مفاجئ وانقضوا على الصبي قبل تمكنه من الهرب قلبوا العربة وقلبوا رأسه معها، تساقط منهمراً على الأرض مع حبات الترمس المبعثرة، صرخ بعويل طويل اخترقني في القلب وتخيلت المشهد كاملاً، أمه وأخوته يفتحون أفواههم للسماء، ووالده يصرخ غاضباً في وجه الحياة منكمشاً على كرسيه المتحرك باكيا لاعنا غاضبا وعاجزا في آن واحد، لم تكتمل صورتي التي رسمتها بعد لتقطعها حركة المكان، الجميع يركض من حولي، قيدوا الصبي المرتبك واصطحبوه معهم بينما أنا لا زلت اقف بجمودي وعيناي، برغم تشوش الرؤية، معلقتان بهذا الصبي إلى أن أيقظتني يد صديقي الساقطة على كتفي:
-         ها ... تأخرت؟
-         جداً........
أشار لي بعينه ليدلني على رجلنا الذي كان يقف بالمكان أيضاً، فغرت فاهي مشدوهة قائلة بصوت خافت: انتظر ذهاب رجال الشرطة.
ضحك ورد: إنهم ليسوا المعنيين بالمكافحة أنهم مجرد شرطة تتبع البلدية، تعالي وهاتي ما معك من نقود.
-         مئتا شيكل... تكفي؟
-         أجل .. لن تحتاجي أكثر من ذلك في البداية.
نظرت حولي وكأني لم أعد أعرف المكان، رأيته يأخذ ورقة من القصدير ملفوفة بعناية ويضعها بجيبه ليحضر لي ورقة أخرى ويضعها بيدي، وأنا لا أزال أنظر إلى شرطة البلدية الذين شهدوا العملية كما شهدتها أنا، ابتسم صديقي ثانية وقال بصوت عالٍ اسمع الكثيرين من حولنا: مرحبا بك في عالمنا... لا تنسي استنشقيها دفعة واحدة.
أخفيت حصتي مسرعة ودون أن أنظر إليه أو أن ألقي عليه التحية انسحبت مسرعة من المكان علّي أخفي رجفة قلبي وجفاف حلقي والأهم ..خوفي من الجميع، ألتفت يمينا ويساراً ورأيت تلك تتفرس بوجهي تعرف كل ما بي، ابطء قليلا في مشيي فالشاب ورائي يلاحقني، أعرف انه سينقض فجأة ويصرخ أمام الجميع ليمسكوا بي، انهم يعرفون ذنبي ويعرفون أيضاً أنني أحمل خدري، أركض أركض مسرعة في الطريق افسحوا لي مكاناً للهرب فأنا لم أؤذيكم، أنا فقط من تأذيت.
قفزت إلى داخل الباص وهو يخرج من المحطة ومددت نقودي للسائق دون انا انتبه للبقية، وجدت مقعداً جاهزاً لاستقبالي، مقعد وحيد بجانب الزجاج، جلست والتصقت بالزجاج، نظرت بشرود لانعكاس وجهي فتنبهت كل حواسي فجأة، من هذه الغريبة؟ هي أنا؟ استدرت مبعدةً وجهي عن هذه الغريبة التي لم أعد أعرفها، كأني أستنكر وجودها من دونه، كأنني من قبل ولدت له وتهيأت له ولشهواتنا معاً، لم يكن وحده من أرادني لقد أردته بكل حواسي، كنت أرتعش بمجرد سماع صوته وأبلغ نشوتي كاملة عندما كان يمسك بيدي، أكره نفسي الآن أكره تفاصيل وجهي وعنقي أكره كامل جسدي لأنه يذكرني به، هل كان علي أن أمنع نفسي عنه؟ وهل كان سيبقى معي بعضاً آخر من الوقت لو لعبت معه لعبة الصد الغبية؟ هل كان علي أن أغضب وأزمجر وأثور لكل ماحصل لأشعره بحاجتي لوجوده معي؟ شردت تماماً عن ما حولي وتلمست رفيقتي الخبيثة التي وضعتها في جيبي وهمست لها ستكونين صديقتي إني أعتمد عليكي لتضعي حداً لوهني ووهن أعصابي، توقف الباص وأنا في منتصف حديثي مع صديقتي الجديدة لأجد نفسي أما حاجز رام الله، لم أعرف كيف وصلت لهذا المكان وكيف بعدت هذه المسافة عن المنزل، ارتعش جسمي بشكل كامل لأنني أدركت تماماً أنني أفقد عقلي.
قررت أن أنزل من الباص وأترك المسير لقدمي، كانت الاصوات تعلو وتعلو وتعلو من حولي وسمعت كما أسمع بالحلم صوت الرصاص ومشيت، مشاهد .. مشاهد صارت تومض أمامي.. رجل يسقط على وجهه، فتاة تركض هلعة، طفل يختنق بسعال يخرج من قلبه، رضيع مصفر، ضباب، صياح، تهليل، تكبيرات، وهناك بين هذه المشاهد شاهدته ممدداً ينز الدم من جسمه بهدوء وعيناه معلقتان في المغيب، هو يعلم أنه لن يعود وأنا أعلم أنني الآن غائبة، فجاجة الموقف اصمتت كل الأصوات من حولي، واصبح جسده يقترب مني مع خيالات المكان، تحرك رأسه باتجاهي ووجه إلي نظره مباشرة اخترقتني النظرة واخترقني الصمت الذي تلاها.
بديناميكية غريبة ودعت المكان، ودعته وهو يغيب بين الأيدي كمحاولة لاعادته، أعبر ممرات الحاجز كامرأة آلية، المسرب الأول فبوابته، الضيق يشتد وأصل لبوابة التفتيش، يومض الضوء الأخضر ليسمح لي بالمرور، أخرج الهوية وألصقها للمجندة على الزجاج مع شعوري المعتاد في هذا المكان بطعم القيء في حلقي، أركب الباص ثانية لأعود إلى بيتي كأن شيئاً لم يكن.
لم يلبث أن تحرك الباص حتى نظرت الفتاة التي تجلس بقربي إلي فجأة، جمعت مخاطها كاملاً وبدأت تبصق على وجهي بصقات متتالية، تجمدت أوصالي وأنا أبحلق بها مندهشة وأتلقى بصاقها على وجهي، حاولت أن أداري وجهي عنها ونظرت إلى الجهة المقابلة حيث شغلت المقعد إمرأة حامل تضحك بشكل هستيري ناظرة للفراغ، راقبتها وهي تمد يدها إلى داخل بطنها مخرجة رحمها الممتلئ لتبدأ بتمزيقه بجنون وتنثر قطعه على الجميع، اعتصرتني من الداخل وأحسست أن رحمي هو الذي يتمزق ويرشق الدم على وجهي، نسيت أمر البصاق تماما وبدأت أجهش بالبكاء.
في المنزل وقبل أي شيء حاولت التخلص من الدم وقطع اللحم عن ملابسي واللزوجة عن وجهي، فركت وجهي بشدة لأزيل أثر اليوم كاملاً، لكني توقفت مدركة أني لو أزلت ألم اليوم سيعاودني ألم الغياب، امتدت يدي إلى جيبي فوجدت صديقتي مازالت هناك تختبء بخبث، راودتني فكرة أن أبعثرها في الماء المنساب أمامي، وتذكرت الألم الذي يرافقني بالاضافة إلى تذكري لحمل يومي هذا، داعبتها بيدي، صمت وشرود وعيناي تنظر لانسياب الماء.


لونا داود عريقات