الأربعاء، 7 يونيو 2023

إحموا أرضنا... مرافعة حول حقوق بدو الجهالين

 

السادة الحكام


إنني هنا اليوم كفلسطينية تحمل الجذور البدوية وتؤمن بمبادئ العدالة العالمية وبجميع الحقوق الإنسانية، أعرض لكم إحدى الانتهاكات التي ترتكب بحق شعبي من ضمن سلسلة من الانتهاكات الجسيمة التي نتعرض لها من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلية التي تنتزع الأرض والوطن والكرامة، هذه الانتهاكات التي اعتاد على تسميتها أطفال بلدي بـ (العادي)، فعادي هنا أن تمنع من الوصول إلى مدرستك، عادي أن تقف لساعات على الحواجز الاستفزازية، عادي أن تستيقظ لتطل من نافذة بيتك على الجدار، عادي أن تفقد صديق، عادي أن يسجن والدك لانتماءه السياسي، عادي أن تهاجم بالدبابات أو بقنابل الفوسفور، عادي أن تحرم من حقك بالسكن من ثقافتك ومن حياتك... فقط غير العادي هنا أن تكون إنساناً.
أبدأ اليوم عرض قضيتي بمشهد اعتدنا قديما عليه، أبدأه برؤية مجموعات البدو التي اختارت حياة الترحال والتوحد مع الطبيعة لتختار بيئتها المناسبة تتفاعل معها وتحافظ على استمرارية وجودها، بمشهد سالم كايد السيايلة يجوب الوادي مع أغنام قبيلته يعزف على نايه بأمان ليعود مساءاً للتجمع في مضارب قبيلته، قبيلة الجهالين، يتسامرون سويا بعرض حكاياهم الشعبية حول نار القهوة العربية بالهال، هذا المشهد الذي طالما عاشه سالم في طفولته، والذي يتمنى اليوم بعد أن تجاوز أعوامه الخمسة والستين، أن يعيشه أحفاده بعده دون جدوى.
لقد تم انتهاك حق سالم وعشيرته من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلية، فحرم من أرضه، وسكنه وهويته الثقافية التي طالما اعتز بها، بدأت الانتهاكات بحق سالم وعشيرته منذ التهجير الأول عام 1948م والذي أجبرهم في حينها على ترك أراضيهم في منطقة السبع والتوجه إلى المنطقة المحيطة بمحافظة القدس والتي استمروا في التواجد فيها وشغل المكان منذ ذلك التاريخ، عايش سالم هذا التهجير وكان عمره حينها 5 سنوات.
عاودت عائلة سالم تجميع شتاتها واستقرت منذ العام 1948م في المنطقة القريبة من اراضي قرية العيزرية، شرقي مدينة القدس، وبعد مرور سنوات طويلة على هذه الحالة واعتياد سالم على المراعي المحيطة بالمكان الذي اتخذوه وإنشاء سالم لعائلته في المكان، بدأت الحكومة الاسرائيلية في عام 1979م كجزء من خطة ممنهجة بدأ التخطيط لها من قبل وبالتزامن مع مصادرة الاراضي في تلك المنطقة للبدء بانشاء المستوطنة الاسرائيلية الغير شرعية "معالي أدوميم"، وبدون اي أوامر مبررة باسم القانون الاسرائيلي بازاحة ونقل التجمعات البدوية من منطقة إلى أخرى في نفس المكان بحجة امتلاك الجكومة لهذه الأراضي باعتبارها من الاراضي الموات التي أقر قانون الانتداب البريطاني (قانون أراضي الموات) لسنة 1921م والذي اعتمدت عليه الحكومة الاسرائيلية في بسط سيطرتها على الأراضي الموات وعليه فإن للحكومة مطلق الحرية للتصرف بهذه الأراضي، وقد استغلت حكومة الاحتلال عدم استفادة البدو من نفس القانون والذي يعطي حق ملكية الأرض الموات لمن يرعاها، وقامت بتجزئة فهم القانون بشكل عام فتم توقيف أمكانيات تسجيل الاراضي لمن يستفيد منها مع اعتبار الأرض الموات الغير مستغلة حسب القانون ملكاً للدولة، عدا عن أنها قضت بأنّ كلّ بدوي أضاع فرصة تسجيل الأرض "الموات" على اسمه في العام 1921م، ولم يحصل على شهادة ملكيّة، لم يعد مؤهّلاً لفعل ذلك (بن – دافيد، 1996)، إن عدم وجود أوراق رسمية في حوزة سالم كايد السيايلة وقبيلته، يعود بشكل أساسي إلى أن البدو لم يكن لديهم ما يكفي من الوقت للإلمام بمتطلبات عملية التسجيل تحت الانتداب البريطاني وإتمامها، وقد استمروا طوال تلك الفترات الزمنية السابقة يستفيدون من نظام الملكية التقليدي ولم يروا ضرورة في التسجيل الرسمي، وقد انصاع البدو في تلك المرحلة للأوامر الاسرائيلية بالانتقال من مكان لآخر بسبب عدم معرفتهم بالقانون للاعتراض على نقلهم أو ايقافه.
استمر الوضع حتى 1982م حيث أعلنت السلطات الاسرائيلية المحتلة جميع المناطق التي يسكنها عرب الجهالين أراض حكومية على الرغم من ثبوت ملكيتها لأهالي قرية أبو ديس، بحيث أصبح وجود البدو في أراضيهم غير شرعي ذلك حسب القوانين الاسرائيلية التي تنتهك بحد ذاتها حزمة من حقوقهم الانسانية كمواطنين أهمها حقهم بملكية الأرض، وحقهم بتقرير مصيرهم، والتمييز ضدهم على أساس قومي ومنعهم من التنمية والتمتع بثقافتهم الخاصة، والأهم من ذلك حقهم بالسكن فالإنسان لا يستطيع السعي إلى تحقيق كافة حقوقه دون أن يتوفر له السكن الملائم، الذي يتعدى فكرة وجود مكان له سقف وجدران وباب، ليشمل العديد من المرافق والخدمات الضرورية، كتوفر مياه الشرب، والتيار الكهربائي، والقرب من أماكن تلقي الخدمات العامة، كالصحة والتعليم، بما يتيح للإنسان ممارسة حياته بشكل اعتيادي.
عاماً بعد عام ومع استمرار العمليات الاسرائيلية في المصادرة من هنا وهناك، انحصرت مناطق الرعي وتم التضييق بشكل أكبر على بدو الجهالين، وببداية عام 1990م بدأت الحكومة الاسرائيلية تتبع أسلوباً آخر بتوجيه الاخطارات والانذارات لنقل البدو من مكان لآخر حول مستوطنة "معالي أدوميم" بدعوى الخطط التنظيمية والهيكلية للمنطقة (مع عدم شرعية هذه الادعاءات التمييزية ضد حق أبناء المنطقة من البدو)، هذه الدعوى التي تعد بحد ذاتها غير قانونية بحيث تسعى الحكومة الاسرائيلية بتحدي للشرعية الدولية التي تعتبر بناء المستوطنات في الضفة الغربية خرقاً للقانون الدولي الانساني الذي ينص على الأسس القانونية المتبعة من دولة الاحتلال والتي تمنع الدولة المحتلة من نقل مواطنيها الى المناطق التي قامت باحتلالها (بند 49 لاتفاقية جينيف الرابعة التي تنص على أنه لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءاً من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها)، إضافة إلى ما تنص عليه أنظمة (هاج) من منع الدولة المحتلة من اجراء التغييرات الدائمة في الاراضي المحتلة، باستثناء تغييرات ضرورية لحاجات عسكرية أو لصالح السكان المحليين، وهذا ما لم تراعيه أبداً حكومة الاحتلال الاسرائيلية في بناء المستوطنات بالضفة ومنها مستوطنة "معالي أدوميم"، عدا عن أن بناء هذه المستوطنات يمس بشكل جذري بحق الانسان الفلسطيني حسب منظومة حقوق الانسان، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
عام 1997 أصدرت المحكمة العليا الاسرائيلية قرار ينص بعدم شرعية إقامة البدو ومنهم الجهالين في أراضي الدولة، وأنه يتوجب طردهم لإفساح المجال لتوسيع مستوطنة "معاليه أدوميم"، واقتحمت الشرطة الاسرائيلية بيوت عرب الجهالين وبدأت بترحيل هذه العائلات وجمعتهم بالاكراه في شاحنات لارسالهم إلى مساحة ضيقة لا تتماشى مع طبيعة عملهم ونمط الحياة التي يعيشونها، حيث ألقت بهم عند تلة صخرية قرب أبو ديس لا تصلح للرعي وبالقرب من مكب النفايات المركزي لبلدية القدس، لتعرض صحتهم أيضاً للانتهاك ذلك بعد قيام السلطات بهدم المضارب وازالتها تماماً، إضافة إلى هدم المرافق التعليمية الخاصة بالأطفال، بشكل مفزع وهمجي، حاول البدو مقاومة ذلك واستمروا بالتواجد على أرضهم ورفض الانصياع للأوامر الغير قانونية، وبإحساس عام بالتمسك بحقهم الذي أقرته لهم الاتفاقات الدولية التي تحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات إلا إذا كان هناك عمليات حربية تقتضي هذا الأمر،( المــادة رقم 53 من اتفاقية جنيف الرابعة).
مرة أخرى وفي حملة ثانية استهدفت بدو الجهالين وتحديدا في شباط 1998 قامت الإدارة المدنية الإسرائيلية بهدم البيوت والحظائر والمرافق التعليمية وهي عبارة عن مدرسة (للمرة الثانية)، وخربت خزانات المياه، وجرفت ممتلكات خمسة وثلاثين عائلة لإجبارهم على الرحيل عن التلة، رفضت العائلات ذلك واستأنفت ضد قرار المحكمة.
في 16/1/2008م تم هدم مضارب عائلة سالم المكونة من أسرته وأسر أبناءه وهم خمس عائلات تأوي نحو 30 فرداً بينهم 15 طفلاً، وأعلنت عنها منطقة عسكرية مغلقة، واحتجزت العائلات، وقامت بهدم الخيام والمنازل المتنقلة على محتوياتها وهدم المدرسة للمرة الثالثة.
قامت السلطات الاسرائيلية بذلك أيضاً بحجة القانون، قانونها الخاص الذي ترتأيه وتنتهك فيه أدنى معايير الاحترام لحقوق الانسان الفلسطيني، إنها فعلا تحقق مقولة جان جاك روسو حيث قال: (هناك أشاهد أناساً تعساء يرزحون تحت وطأة الحديد، حيث يُسحق البشر بقبضة من يضطهدهم، وأشاهد رعاعاً غاضبين مصعوقين بالألم والجوع، ورجالاً أغنياء يشربون دمهم ودمعهم بسلام، ويتسلح الأقوياء بقوة القانون الفظيعة ضد الضعفاء) " principles of the rights of war".

إن التهديد لا يزال مستمراً حتى هذه اللحظة على أبناء قبيلة الجهالين، هذا التهديد الذي يستهدف ترحيلهم لمرة أخرى من المنطقة التي يشغلونها حالياً (أراضي أبوديس والسواحرة) والتي قامت السلطات الاسرائيلية بنقلهم إليها رغماً عنهم، فقد تمت في الفترة الاخيرة مصادرة 12000 دونم من هذه الأرض لما يخدم مخططاتها الغير شرعية المتعلقة بضم كيدار لمجمع مستوطنات معالي أدوميم وسعياً لاتمام المنطقة الشرقية من الجدار (جدار الفصل)، بالاضافة إلى السعي لتحقيق فكرة شارع "نسيج الحياة" الذي تسعى الحكومة الاسرائيلية لانشاءه ليقوم بربط مجمع مستوطنات غوش عتصيون ومجمع مستوطنات معالي أدوميم، وهذا ما يحتاج لتحرك مباشر يوقف عمليات المصادرة والطرد.
السادة الحكام
إن السياسة الاسرائيلية إنما سعت إلى السيطرة على الارض وعلى الانسان، وتجسد ذلك بالنظرة الاسرائيلية الدونية للسكان البدو هذه النظرة التي اطلقها موشيه دايان قبل أكثر من أربعين عام انما تدل على روح تمييزية موجهة ضد السكان البدو وحط من قدر ومكانة هذه الفئة باعتبارها دون المستوى الذي تسعى إليه دولة اسرائيل بغض النظر عن ثقافتهم وهويتهم التي يعتزون بها أيما اعتزاز، حيث قال:
(يجب أن تتم الاستعانة بالبدو كعمال بلدية في الصناعة والخدمات والإنشاءات والزراعة. فثمانية وثمانين في المائة من سكان إسرائيل لا يعملون بمجال الزراعة. وسوف يتم ضم البدو إليهم. إلا أن الانتقال سيكون ذات طبيعة حادة. ويعني أن البدو لن يبقوا على أرضهم مع قطعانهم، بل سيصبحون من سكان المدن الذين يعودون إلى بيوتهم في ساعة ما بعد الظهر وهم ينتعلون الأحذية في أقدامهم. وسوف يعتاد الأطفال على ارتداء آبائهم السراويل وعدم حمل الخناجر وعدم إزالة قمل الشعر أمام الناس. وسوف يذهبون إلى المدارس بشعر مصفف بعناية. ستكون ثورة. كيف يمكن تنظيم كل هذا خلال فترة زمنية لا تتعدى الجيلين؟ ليس بالقوة، بل بالتوجيه الحكومي. وتلك الظاهرة المعروفة باسم "البدو" سوف تختفي).
- موشيه دايان، وزير الزراعة في ذلك الحين، يوليو/تموز 1963
ولا شك أن الحق في الهوية الثقافية للشعوب، يعطي الحق للأشخاص والجماعات في تمتعهم بثقافتهم الخاصة بالاضافة إلى الثقافات الأخرى، والحق في الثقافة يعني الحق في الوجود والتطور والتقدم في إطار ديناميكيتها الداخلية، بانسجام كامل مع محيطها الخارجي وباحترام كامل لشكل هذه الثقافة، مع حفاظها على خصوصيتها واستقلالها، دون إهمال للعوامل المشتركة ذات البعد الإنساني، ولقيم التعايش والتفاعل بين الأمم والشعوب والجماعات، وهذا ما كانت تضرب به العقليات الصهيونية عرض الحائط بحيث تعاملت مع البدو (كمنهجية للتعامل مع الفلسطينيين المحتلين بشكل عام) كمنكر لحقوقهم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية والصحية، وتم التأكيد على هذه النظرة من خلال القرار الذي يُعتبر بمثابة سابقة تصدر عن قاضي المحكمة المركزية حليمة، الذي أقرّ بأنّه وفقًا للتّعريف فإنّه ليس للبدويّ أيّة صلة، ولا يمكن أن تكون له أيّة صلة، بالأرض.
إن عملية نقل البدو إلى تلة أبوديس التلة التي تقع بالقرب من مكب النفايات الذي يهدد صحتهم أولاً، وطريقة حياتهم ثانياً لانعدام المراعي اللازمة لقطعانهم والتضييق المستمر عليهم مما أثر على نمط حياتهم، وإجبارهم على نمط حياة معين ينقلهم بالرغم عنهم إلى الحياة المدنية، أثرت وبشكل كبير عليهم، لم أنسى في لقائي مع بدو الجهالين تلك الدموع في عيني أحد أبناء سالم عندما ذكر خوف إبنه من مشاهدة الجمل، هذا الأمر الذي نراه طبيعياً ويراه هو كارثياً لا يستطيع حتى التفكير به، فكيف يستوعب خوف طفله البدوي من مشهد معتاد من حياته في البادية، والذي يقصيه تماماً عن أرضه وثقافته التي يعتز بها، إن هذه الأعمال يعتبرها الجهالين تهديداً لهم بالاندثار، فهدم المضارب والتضييق عليهم من خلال القيام بمصادرة أغنامهم يهدد ثروتهم الحيوانية أولاً، ويهدد وجودهم ونمط الحياة التي يعيشونها ثانياً، وينتهك حقوقهم بأبشع الصور.
هذا الانكار للوجود الفلسطيني وللحق الفلسطيني بالنماء والتطور ضمن موروثه الثقافي الذي يعتز به، إنما يجعلنا نقف مفكرين بشكل هذه الدولة التي لا زالت في قرننا الواحد والعشرين تحتل شعباً كاملاً تنكر عليه حقه بالوجود على أرضه، حقه بالتمتع بحق تقرير مصيره، إن سالم كايد السيايلة هو تجسيد لمعاناة شعب كامل يسعى لتحقيق أدنى مستويات العيش بكرامة، شعب يسعى لاسماع صوته لشعوب العالم المتحضر علّها تقف معه في نضالاته الشرعية المستمرة للتحرر والوجود، إن كافة الاجراءات التي تقوم بها دولة الاحتلال والتي تسعى إلى طمس هوية المواطن الثقافية وارتباطه بأرضه وانتهاك حقه بالسكن الملائم واختيار مكان سكنه، وعملية استبدال الانسان الفلسطيني وتغيير معالم الأرض وهويتها دون الالتفات إلى إنسانية المواطنين الذين ينتمون إليها، هي اجراءات مجحفة وغير محقة حسب المنطق والعدالة الانسانية.
السادة الحكام
إنني أتسائل اليوم معكم هل ما حصل مع سالم سيستمر مع أبناء شعبي للأبد؟ هل سيستمر المحتل بانتزاع الأرض والكرامة؟ هل سيستمر العالم بثقله مغمض العينين عن أبشع الانتهاكات التي ترتكب بحق شعب يريد فقط الحياة؟
وأنا أعلم يقين العلم أن الوصول إلى الحقوق يتطلب منا العمل المستمر والدؤوب، فسنوات الاحتلال الطويلة التي مضت علينا كشعب انتهكت خلالها دولة الاحتلال حقوقنا بالحياة وبالوجود وبالاعتراف بنا، إن هذه السنوات تحتاج منا إلى المزيد من التصميم والارادة والاستمرار بالنضال من أجل انتزاع حقوقنا التي شرعتها لنا القيم الانسانية العليا والمتجسدة بشرعة حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني، إن انتقال سالم وعائلته مع الحسرة التي شكلتها في نفسه إنما تحتاج منا التصميم على محاولة التعويض عليه وعلى أسرته وأسر الجهالين باتخاذ الاجراءات الكافية لضمان حمايته القانونية في المستقبل ضد أي عمليات تخلية جديدة، وجبر الضرر المترتب عن معاناتهم المتكررة من انتهاك حقوقهم الاساسية في السكن والتعليم والصحة والهوية الثقافية الخاصة بهم.


الأربعاء، 26 أبريل 2023

مساحات المطبخ بين العام والخاص الطعام واحتراف الطبخ بين مكانة المرأة في الأسرة واحترافه كمهنة للرجال في سياق الأدوار الاجتماعية


 نكهة أمي في المأكولات هي الأفضل، ولا يستطيع أكبر المطاعم مقاربة نكهتها التي تضيفها في  الأطباق، عادة ما نتداول هذه الجملة وعادة ما يرتبط الطعام بالأمور الحياتية المتعلقة بالأسرة والمساحات الخاصة، وعادة ما يرتبط الطعام أيضاً بالطقوس الجمعية المتعلقة بالعبور سواء في طقوس الفرح كالزواج والولائم التي يتم اعدادها من الرجال في أغلب الأوقات أو في ولائم حالات الفقدان كالوفاة والتي أيضاً يشرف عليها الرجال، إذاً فإن فعل إعداد الطعام بذاته يندرج تحت الأفعال الاجتماعية التي يحكمها المجتمع ضمن الأدوار التي يقسمها للنساء وللرجال والمتعلقة بالطبع بالحيز العام والحيز الخاص، ففي الحيز الخاص يقترن هذا الفعل بالنساء لاقترانه بدور رعاية الأسرة المرتبط بهن، أما بالمساحات العامة والمناسبات فهو يتعلق في مكانة الرجال الممتدة في الحيز العام، وكما ذكرنا فإنه وفي الاعراس والولائم الجماعية في كثير من المناطق يتكفل الرجال بالطبخ (تحديداً المنسف في فلسطين والقدرة التي تقدم بهذه المناسبات) وهي تابعة للسيطرة على الحيز العام من قبل الرجال؛ ويرتبط العمل مدفوع الأجر في كثير من المجتمعات بالدور المناط بالرجال وهذا الدور تاريخي يعود لتقسيمات الأدوار عند اكتشاف النار في العصر الحجري الحديث، فالرجل هو حامي الخبز والمرأة هي صانعة الخبز.

ولننظر أيضاً لما يترتب عليه القيام بهذه الأدوار من تقدير اجتماعي للرجال في طقوس الانتقال مثل العزاء والزواج، بالاضافة إلى المردود المادي مقابل العمل في الطبخ للرجال والذي يعزز الدور المتعلق به كمعيل للأسرة، فمن الممكن أن يدخل الرجال لهذه المساحات عندما يتعلق ذلك بتعزيز أدوارهم في توفير المورد الاقتصادي للأسرة التي يعيلها، ويقف دوره عند هذا الحد.

وبتتبع موثق لأهم الطباخين في المجتمعات العربية وهل شغلت النساء هذه المهن، اطلعت على مجموعة من كتب الطبخ التاريخية العربية، التي كتبها الرجال واقترنت بارشادات الطبخ للسلاطين والملوك، ضمن تقسيمات علمية أحياناً وطبية أحياناً أخرى تتعلق بالمعرفة التي يجب أن يمتلكها الطباخ (مثل تقسيم الطبخ ني ومطبوخ)، فكان أول كتاب مصنف هو كتاب الطبخ الذي صدر في النصف الثاني من القرن العاشر في بغداد زمن العباسيين على يد ابن سيار الوراق وعنوانه الكامل "كتاب الطبيخ وإصلاح الأغذية والمأكولات وطيبات الأطعمة المصنوعات مما استخرج من كتب الطب وألفاظ الطهاة وأهل اللب"، وقد اعتبر أقدم كتاب عربي وصلنا من العصور الوسطى، شمل 600 وصفة فيه العديد من الموضوعات المتعلقة بالطعام، منها الفوائد الصحية لأطباق الطعام، وآثارها الصحية على الجسم أو القلب أو المزاج، ومن المرجح أن يكون إصداره كان بناء على طلب سيف الدولة الحمداني حيث تناول وصف الاطباق الخاصة بالخلفاء والأمراء وكبار الشخصيات، بارتباط مباشر بالطبخ كمهنة.

بينما نرى بوضوح تاريخ امتهان الرجال للطبخ ومساهماتهم الواضحة المتمثلة بالكتب ليس واضحاً تتبع كتابات النساء في موضوع الطبخ، وتطالعنا بعض الكتب القديمة للطبخ تعود لبدايات القرن العشرين اصدرتها النساء ولا تتعلق بالطبخ كمهنة وإنما موجهة بشكل مباشر للنساء في البيوت، تتضمن نصائح للمبتدئات وتنسيق الولائم وترتيب الملاعق والسفرة، والتخزين وعمل المربيات والمخللات وما إلى ذلك ممايفيد النساء ضمن واجباتهن اليومية في المطبخ ووظيفتهن في تغذية العائلة.

يرجح أنه وقبل سبعينيات القرن الماضي في امريكا على سبيل المثال، وتحديداً بدايات القرن التاسع عشر بدأت النساء بامتهان الطبخ كمساعدات لازواجهن ضمن الدور الاجتماعي المفروض اجتماعياً عليهن أيضاً، في بعض الحالات استلمت النساء هذه المهنة بعد وفاة أزواجهن ولم يتعدى عددهن 11 امرأة حسب كتاب "مكان للمرأة في المطبخ: تطور الشيفات" الصادر لآن كوبر في عام 1998، ويبدأ الحديث عن تولي النساء لهذه المهنة بعد سبعينيات القرن الماضي بما ينسجم مع التطور الاجتماعي لدور المرأة واقتحامها لعالم العمل خارج المنزل.

من الطريف أن المقارنات بإجادة الطبخ في الحيز العام هي الشائعة وهي التي يتم تداولها لاثبات "عجز النساء" أو عدم قدرتهن على تولي هذا النوع من المهن، في ذات الوقت فإن هذه المقارنة نادرة في الحديث عن الطبخ في الحيز الخاص للأسرة وعدم اطلاع بعض الرجال بالمطلق بهذه الأعمال، إن النظر إلى موضوع إجادة الطبخ كمهنة من الرجال دون النساء بشكل متجرد فيه الكثير من الاجحاف للنساء، فمقولة أكثر الطباخين وأمهر الطباخين من الرجال تعود لعدم توازن العلاقات والمهمات الاجتماعية بين الطرفين، فتاريخ طويل من السيطرة على المهنة بسبب إرتباطها بالعمل مدفوع الأجر المناط بالرجال، والتننافسية العالية في هذا القطاع، واستمرار عدم التوازن في الأدوار الاجتماعية ما بين الأدوار داخل وخارج المنزل، واستمرار مسؤولية رعاية الأسرة على النساء مع كامل أعبائها تحدد هذه المقارنة وتجعلنا ندرك بشكل أو بآخر أن هذا القطاع المهني الهام والشاق بذات الوقت يتطلب تغييراً عاماً في الادوار الاجتماعية، يتطلب مساواة كاملة في المهمات داخل وخارج الأسرة في الحيز العام والحيز الخاص في ذات الوقت، لنستطيع بعدها وبتجرد أن نقوم بتقييم عمل الرجال والنساء في مهنة الطبخ.


السبت، 7 مايو 2016

مرافعة "مساواة دون تحفظ"



"لأنني لم أولد وفي فمي ملعقة من ذهب مملوءة بدواء مخدر، لأنني ولدت بسعال مقلق كنحل الأسئلة وبين يدي محبرة تشبه اللغم وقلم يشبه السكين، قرروا أني طفلة مفخخة بالمجهول إلا إذا استطعت اثبات براءتي كل يوم، كل يوم أهرب منهم إلى سفينة نوح، في طريقي أرى قابيل وهابيل وآدم يراقص الأفعى متهماً حواء بخيانته مع تفاحة، ابليس يعزف على قيثارته نيرون يصفق معجباً وهو يدخن المدينة في غليونه، عطيل يقتل ديمونة أهرب وأنا أعرف أن علي أن أدفع ثمن خطاياهم جميعا لمجرد أنني امرأة "1.
أقف اليوم أمامكم كامرأة فلسطينية، عانت ظلم الاحتلال وظلم المجتمع، كانت الرفيقة والشريكة في النضال السياسي وضحت وقاومت جنباً بجنب مع الرجال، وكانت الأخت والأم والإبنة المدبرة الحكيمة،
أقف اليوم بما يترسخ في من إيمان بضرورة المدافعة عن الانسان، المدافعة عن الارض، والمدافعة عن الكرامة والانسانية، بما يشمل الانتهاكات التي أراها في بلدي فلسطين حديثة الاعتراف دولياً، وحديثة الالتزام رسمياً بانضمامها لمجموعة من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، هذا الالتزام الذي نتج كجزء من إيماننا كفلسطينيين بأهمية الانسان وحفظ كرامته وأهمية الوصول إلى الحقوق كافة دون تحفظ، كشعب عانى الكثير من الانتهاكات الناجمة عن الاحتلال بشكل فج، أنا هنا اليوم كإمرأة شريكة في بناء الوطن، شريكة في الالتزامات، وشريكة في الحقوق دون تمييز، كإمرأة فلسطينية اعتادت النضال في سبيل الحقوق الوطنية، وتستمر في النضال للوصول إلى حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، دون أولويات تقف أمام احتياجاتنا كنساء في هذا الوطن، ودون تأجيل لقضايانا أمام قضايا التحرر الوطني، فتحرر المرأة هو ركن أساسي من تحرر الوطن.
السادة والسيدات الحكام
قضيتي تتحدث عن سنين من الظلم الذي تتعرض له النساء، جراء منظومة القوانين القديمة وغير المتناسبة مع بعضها والمطبقة في فلسطين، فحتى هذه اللحظة ما يتم تطبيقه من قوانين تعني النساء في الضفة، مختلف عما يتم تطبيقه في غزة، وحتى منطقة الضفة؛ فإن قوانين مدينة القدس تختلف عن باقي مناطق الضفة، وأخص بذلك كل من قانون الأحوال الشخصية وقانون العقوبات، القانونان الأساسيان اللذان يتعلقان بالنساء، بما يتضمن قضايا الأسرة وقضايا العنف الممارس على النساء.
تبدأ قضيتي بما تعرضت له سعاد، وهي سيدة في أواخر الثلاثينات، تم تزويجها قسراً من أحد معارف الأسرة، لتبدأ معاناتها معه وهي في سن الطفولة، حيث لم يتعدَّ عمرها آنذاك السادسة عشر، خلافاً للمادة 16 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمادة ١٦ الفقرة ١/ب من اتفاقية سيداو؛ والتي تنص صراحة على الحق في اختيار شريك حياتها، والفقرة ٢ المتعلقة بتحديد سن أدنى للزواج، وبتعارض مع المادة 10 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والمادة 23 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966.
ولا تنتهي القضية هنا وإنما تستمر؛ فالزوج لم يكن معها في يوم كما تتمنى، بالرغم من أنها لم تطلب الكثير وخاصة بعد أن أنجبت أبناءها الأربعة، علي وندى وربى وريم، لتتصاعد بعدها المشاكل داخل الأسرة، ويتطاول الزوج على ندى -ابنته الكبرى-، ويتحرش بها وهي في الحادية عشرة من العمر، فما كان من سعاد في هذه الأثناء إلا أن تتنازل عن كافة حقوقها الشرعية والمترتبة عن عقد الزواج لتحصل على الطلاق، الطلاق المعلق بشكل مطلق بإرادة الزوج حسب القانون، حيث يستطيع الزوج وبمجرد رغبته المنفردة بانهاء الزواج، أن يتوجه إلى المحكمة أو أن يتلفظ بالطلاق وينهي العلاقة الزوجية، بينما لا تمتلك النساء إلا طلبه في حالات حددها القانون، أو بمقابل التنازل عن كافة حقوقها، بتعارض آخر مع مواد الاتفاقيات والعهود سابقة الذكر، التي أقرت بتساوي الزوجين في انهاء هذه الرابطة الرضائية بالأساس، ومن هنا يبدأ فصل جديد من المعاناة الاجتماعية والاقتصادية لسعاد، فمن حكم بالنفقة كحق لأبنهائها لتسيير حياتهم اليومية، وكجزء من التزام الأب بالصرف على أبنائه، وبمبلغ لا يتجاوز ٨٠٠ شيكل شهرياً للأطفال الأربعة، إلى التمييز الممارس من المحيط، والوصمة الاجتماعية التي تم وصم سعاد بها كإمرأة مطلقة، فكل حركة لها محسوبة بألف حساب، ضمن مجموعة الصور الاجتماعية المشكلة عن المطلقات، والتي تضع على أساسها الكثير من الحدود والضوابط المرتبطة بشكل كامل بالنظرة الدونية للمرأة وبالسلطة الذكورية الاجتماعية.
كل هذه الأعباء تحملتها سعاد لمدة سنة كاملة، إلى اللحظة التي طالب بها طليقها بضم أبنائه إليه، فحسب قانون الأحوال الشخصية الأردني رقم 61 للعام ١٩٧٦م المطبق في الضفة، فإن الحضانة تبقى مع الأم لغاية سن البلوغ المرتبط بالتغيرات الفسيولوجية، التي عادة تحصل في السنوات من 11-14 سنة، ومن ثم يتم تخيير الذكور ويكون القرار لهم بالبقاء مع الوالد او الوالدة، أما الإناث فتنتقل حضانتهن إلى والدهن بمجرد وصولهن لسن البلوغ ويستطيع الولي "وهو الأب هنا" أن يقوم برفع قضية يضم ابنته إليه، حسب المادة 165 من القانون المذكور، لم تكن هناك إشكالية تذكر مع علي فقد خيره القاضي بين حضانة أمه أو أبيه فاختار أمه، وبقيت حضانته معها مع بقاء نفقته على والده، أما ندى تلك الطفلة التي تعرضت للتحرش من والدها تم ضم حضانتها للأب ، ولم يقم أحد بتقديم دعوى قانونية لمصلحتها، بسبب قصور القانون في التعامل مع هذه النوعية من القضايا؛ حيث اقتصر قانون العقوبات على ذكر كل من جرائم الاغتصاب وهتك العرض وسفاح القربى فقط.
وبالرغم من وجود شكوى تحرش لدى الشرطة والتي تم سحبها خوفاً من الفضيحة وحفاظاً على سمعة العائلة، وبالاضافة لكل هذه الأوضاع النفسية الصعبة السابقة التي تعرضت لها، قام والدها برفع قضية ضم يطالب بها أن تعود ابنته ندى إليه.
وهنا وكبداية للاجراءات، كان لا بد من حضور ندى للمحكمة، ولا بد من أن يتحقق القاضي منها ومن مظهرها ليتأكد من مسألة بلوغها، بانتهاك آخر لبراءة هذه الطفلة بمواجه منظومة إجراءات قديمة، لا تراعي المصلحة الفضلى للطفل التي وردت بشكل مباشر في المادة 3 من اتفاقية حقوق الطفل، التي أولت الاعتبار الأول لمصلحة الطفل الفضلى في جميع الاجراءات التي تتعلق بالطفل سواء كانت عبر المحاكم أو عبر التدابير التشريعية والادارية، وبما يتعارض مع ضمانات فرص الاستماع للطفل في الاجراءات القضائية والادارية التي تمس الطفل مباشرة، بتمييز للأطفال الذكور عن الإناث، والتي وردت في المادة 12 من الاتفاقية ذاتها.
لتليها إثارة مسألة التحرش أمام القضاء، ولكن وحسب القانون والاجراءات كان لا بد من إثبات هذا التحرش، ومع كل التعاطف من الجهات الرسمية كافة، إلا أنهم وقفوا عاجزين أمام قانون لا يعترف إلا بالبينة الخطية؛ المتمثّلة بورقة إثبات صادرة عن جهة رسمية مثل ورقة حكم محكمة مع كافة المقتضيات القانونية، أو البينة الشخصية؛ المتمثّلة بشهادة الشهود على واقعة التحرش أو اعترافه وإقراره بجريمته أمام القضاء، بما لا يتلائم مع المادة 19/2 من اتفاقية حقوق الطفل، التي أعطت الصلاحيات لتدخل القضاء حسب الاقتضاء لحماية الطفل من كافة أشكال العنف والضرر والإساءة، من خلال تدابير تشريعية وإدارية تضمن عدم الاساءة.
وبناء عليه، ومع إنكار الأب لمسألة التحرش، ومع عدم وجود البينة الخطية تم الحكم بضم ندى لوالدها، إلا أننا تمسكنا بالقشة الأخيرة وهي رفض تسليمها لوالدها، لتسقط بناء على ذلك نفقتها عنه، حيث أن المادة ذاتها والتي تسمح بضم البنات لحضانة الوالد أشارت إلى أن عدم خضوع الفتاة لقرار الضم يفقدها حقها في الحصول على النفقة الشهرية المقرة لها.
ندى ليست الطفلة الوحيدة التي لم يتم تخييرها، هناك ميرفت التي تم أخذها من جدتها لأمها في بيت لحم إلى أعمامها في الاردن، فقط لأنها أصبحت طفلة بالغة تنتقل حضانتها لأبيها أو أعمامها بدون اي اعتبار، أُجبرت على هجر حياتها ومدرستها هنا، فقط لان الانثى لا تخير! وهذا يناقض تماما مبدأ اساسيا تقوم عليه اتفاقية حقوق الطفل ، ألا وهو المساواة وعدم التمييز على أساس الجنس أو اي اعتبار آخر، المساواة في تمتع الطفلة بكافة الحقوق تماما كما الطفل الذكر.
السادة والسيدات الحكام
أعرض عليكم قضيتي كجزء من إيماني بقواعد العدالة والمساواة التي نص عليها الاعلان العالمي لحقوق الإنسان والتزمت بها دول العالم، وكجزء أساسي من الالتزام الذي أكدته دولتي على مبدأ المساواة وعدم التمييز وضمان المصلحة الفضلى للأطفال دون النظر إلى جنسهم، بالاعتماد على الاتفاقيات التي وقعت عليها في 1/4/2014م، والتي تتضمن كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية 1966، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة 1979، بالاضافة إلى اتفاقية حقوق الطفل1989.
إنني هنا وأمام مجموعة الانتهاكات الواردة في قضيتي هذه، أطالب تحقيقاً للعدالة وتأكيداً على رغبة دولة فلسطين بالالتزام بمعايير حقوق الإنسان، ومنها حقوق النساء الدولية، وعدم تحفظها على أي من المواد في الاتفاقيات التي وقعت عليها، وعلى رأسها كل من اتفاقية سيداو التي تحقق الضمانات الأساسية لمناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، واتفاقية حقوق الطفل التي تضمن المصلحة الفضلى للطفل دون تمييز،
إنني من هنا ومن هذا المنبر أطالب دولتي بملائمة تشريعاتها الداخلية مع التزاماتها الدولية؛ التي أعلنت عنها صراحةً امام المجتمع الدولي من خلال توقيعها، وأخص بالذكر ما يتعلق بقانون الأحوال الشخصية؛ ضمن مواضيع الولاية في تزويج النساء والوصاية على الأبناء والحضانة والزواج والطلاق.
بالاضافة إلى ما يتعلق بقانون العقوبات؛ ضمن مواضيع الاعتداءات الجنسية التي يندرج تحتها الاغتصاب وهتك العرض، وأضيف إلى ذلك أهمية التعامل مع قضايا العنف الأسري بمسؤولية أكبر، بحيث يتم إقرار قانون فلسطيني لحماية الأسرة من العنف،
كما وأدعو أصحاب القرار أيضاً، برفع الضمانات لتطبيق اتفاقية سيداو، من خلال التوقيع على البروتوكول الملحق بالاتفاقية، لما فيه من ضمانات تعزز من حقوق النساء في مواجهة التمييز واقصاء النساء وتهميشهن.
إننا كبشر ولدنا متساوين في الحقوق والواجبات نتعاون بتكاملية وانسجام تام، لم نولد نساء قاصرات ولكن المجتمع هو من شكّلنا كنساء يترقبن قدرهن في أعين الرجال، سنطلق لأرواحنا العنان معكم لنحلق في فضاء الإمكان، ليزدهر مجتمعنا بتشكيل فسيفسائي باهي من أيدي كافة مواطنيه دون تمييز ودون إقصاء.

________________________
1- مقتبس من مذكرات فتاة في معهد تأهيل الفتيات بدمشق.

الاثنين، 20 أكتوبر 2014

المرأة المنتحبة La Llorona



المرأة المنتحبة أو المرأة الناحبة هي إحدى القصص الخرافية الشعبية في المكسيك، ولربما يحتوي تراثنا العربي على قصص مشابهة لقصة المرأة المنتحبة، والتي تعزز القيم الاجتماعية الجمعية وفيها القليل من الرعب الذي يتم بثه بالتفاصيل للالتزام بهذه القيم التي وضعها المجتمع للنساء، هي عادة ما تحكى للأطفال للالتزام بقواعد تبدأ من عدم الخروج ليلا من البيت أو الالتزام بغرفهم أو عدم التواجد وحيدين في خارج المنزل إلى التفاصيل الأعمق المتعلقة بالتزام النساء بدورهن كأمهات وعدم محاولة مقايضة هذا الدور بأي من الأدوار لأنهن سيخسرن بالتأكيد، القصة تتمحور حول الفتاة "ماريا" الجميلة التي تقوم باغراق أبنائها من أجل العيش مع الرجل الذي تعشقه، الذي يرفض بدوره العيش معها، وهذا ما دمرها ودفعها لاغراق نفسها في نهر المدينة، متحدية أبواب السماء لتكون مع أبنائها حيث أرسلتهم، يتم منع ماريا من الوصول للحياة الثانية حتى تحضر بيدها أبنائها لتجبر على الهيام في الأرض للأبد باحثة في العدم عن أبنائها الذين أغرقتهم بيديها، لتبقى ليومنا هذا هائمة تبكي وتنوح صارخة بالنداء على أبنائها "Ay, mis hijos" .. آه، ياأبنائي"، ويقال أنها تخرج في الليل أو عند بدء الغروب من الأنهر والبحيرات في المكسيك تبحث عن الاطفال الضائعين أو الاطفال الذين لا يستمعون لتعليمات الأهل لتقوم باختطافهم عوضاً عن أبنائها الغرقى.. ويتنبه الجميع لئلا يسمع صوت الناحبة لأنك حالما تسمع صوتها فإنك ستوسم بالموت أي سيكون موتك قريباً حتما.
لا تزال فكرة وجودك بغرفة معتمة أمام المرآة مع الشموع الحمر ومناداة ماريا ثلاث مرات لتظهر لك ماثلة في عقول الشبيبة الصغار في العالم ويقومون بتجربتها يومياً، بعضهم تظهر لهم والبعض الآخر يبقى وحيداً أمام المرآة.

الأربعاء، 27 مارس 2013

نشأة الملكية في المجتمعات البدائية


ترجع أهمية منطقتنا إلى عصور غائرة في القدم فالاكتشافات الاثرية أثبتت ان الانسان الاول عاش في فلسطين منذ حوالي المئة وخمسين ألف سنة [1]،وبذلك يجب التطرق إلى تطور الملكية في المجتمعات البدائية منذ بدايات الوجود الانساني، هناك عدة آراء تتعلق بفكرة الملكية عند المجتمعات البدائية، وهي:
1-  الملكية بدأت جماعية في المجتمعات البدائية : يقول أصحاب هذا الرأي أن الطبيعة التي كان يحيا فيها الانسان القديم وقسوة العيش فرضت عليه اللجوء للجماعة للسيطرة على الموارد الطبيعية بشكل أكبر، وهكذا بدأت الأسر تقترب من بعضها البعض لتؤلف جماعة قوية تتعاون في أمور عدة كحماية الجماعة والصيد والغنيمة التي يصطادونها والتي تصبح ملكاً للجميع بالاضافة إلى أدوات الصيد نفسها التي تعتبر أيضاً ملك للجماعة كلها، وهذا حتم عليهم العيش في مجموعات، ومع التطور الحضاري وتحول الانسان لتربية الحيوانات اصبحت المراعي والقطعان ومجاري المياه ملكية جماعية للذكور البالغين من أعضاء المجموعة المتعاونة معاً[2].
        وفلسطين بحكم موقعها الجغرافي المتوسط بين القارات خضعت لعوامل وفرت الجو الملائم لسكن الانسان واستقراره ولتكاثر المراكز الحضارية والتقنية حيث ظهرت تجمعات ريفية وقروية متعددة، وأهم الشواهد على التجمعات في العصور الحجرية الحديثة تحديداً العصر النيوليتي من5250ق.م إلى 3900ق.م، تجمع وجد في أريحا[3].

2-  الملكية بدأت فردية عند المجتمعات البدائية : الرأي الآخر يقول أن أساس الملكية في العصور القديمة بدأ بالملكية الفردية فقد كانت جميع الاشياء في العصور الانسانية الاولى مباحة فكان من يضع يده عليها يتملكها ومن هنا أخذ الانسان الاول بعد معرفته للتخزين يستأثر بالاشياء التي يحصل عليها ومن ثم اصبح يطور الاشياء التي يحصل عليها فيصنع منها الأسلحة واللباس ويتملكها وقد عاش الانسان الاول مع أسرته في المغاور على جانبي مجرى نهر الاردن وبعض المناطق السورية الاخرى ليتقى بذلك الحيوانات المفترسة وشدة البرد أو الحر، وكان شعور الانسان الاول بالملكية يقوم على أن ما يحصل عليه أو يصنعه هو جزء من شخصه ومن حقه حتى بعد موته.
 ومع التطور الحاصل ومعرفة الانسان الاول نظام الدفن اصبح يقوم بدفن أشيائه الخاصة معه مما كان يؤدي لافتقار العائلة من بعده (كما كان يحصل في العصر الحديدي) ومع مرور الزمن تعدلت الامور وأصبحت أشياء الميت تقتسم بينه وبين الاسرة ومنها نشأ نظام الارث، وقد تطورت ملكية الانسان الاول لتشتمل على المباني التي بدأ بتشييدها في العصر النيوليتي القديم بداية بالمساكن المؤلفة من غرفة واحدة مستطيلة أو مربعة وحتى المساكن متعددة الغرف التي تشتمل على بركة مياه مع مكان العبادة الخاص بالاسرة ومن ثم قام الانسان الاول بعمل سور يحيط بهذه الاملاك لحمايتها[4].

3-  الملكية الفردية والجماعية تزامنتا معاً: يرى الفريق الثالث أن الملكية الفردية والجماعية لم يخلو منهم أي عصر من العصور وقد تزامنوا معاً وساروا معاً جنباً إلى جنب فالملكية الجماعية وجدت وانتظمت عند الشعوب البدائية فكان لكل عشيرة مراعيها وأراضيها الخاصة التي تعتبر ملكاً خالصاً لها لايشاركها فيها أحد من القبائل والعشائر الاخرى، وللقبيلة أيضاً ملكية الغنائم التي يحصل عليها افراد القبيلة وتوزع حسب نظم معينة، كما وللقبيلة ملكية المدافن والمساكن وعند بعض العشائر كانت ملكية الرقيق للعشيرة ككل، وأيضاً وجدت الملكية الخاصة بنفس الوقت التي تمثلت بالملابس والاسلحة وأدوات الزينة ومايتصل بها اتصال مباشر لاستخدامه الفردي وسد حاجاته فكانت هذه الاشياء تعد ملكاً خالصاً للفرد وتنتقل لأفراد أسرته من بعده، ومن الجدير ذكره أن الفرد عرف الملكية الفردية على الحقول التي يقوم هو باستصلاحها واحيائها.            
وهكذا فان النظامين عُرفا معاً عبر العصور التاريخية القديمة وتلازما حتى أيامنا هذه وكل ماهنالك أن بعض الملكيات تغيرت من عصر إلى آخر كتغير ملكية الرقيق من العام إلى الخاص وملكية الابنية أيضاً أو بقيت كما هي كملكية الملابس، وبعضها اقتصر على ملكية الجماعة كالطرق مثلاً[5].


[1] -قصة وتاريخ الحضارات العربية بين الامس واليوم(فلسطين)/عاطف عيد/دار احياء التراث العربي/الجزء7-8/بيروت/1998م-1999م/ص13.
[2] -د.عبد السلام الترمانيني/الوسيط في تاريخ القانون والنظم القانونية/منشورات جامعة حلب/1990م/ص155+د.محمد علي حنبولة/الوظيفة الاجتماعيةللملكية الخاصة/ط1/1974م/ص21.
[3]- قصة وتاريخ الحضارات العربية بين الامس واليوم(فلسطين)/عاطف عيد/جزء7-8/دار احياء التراث العربي/بيروت/1998م-1999م /ص17.
[4] -المصدر 4/ص152و153+المصدر5/18و19.
[5] - د.محمد علي حنبولة/الوظيفة الاجتماعية  للملكية الخاصة /ط1/1974م/ص36.

الجمعة، 25 يناير 2013

رق القرن العشرين...

حسب ما وردنا عن عباس محمود العقاد، فإن الوظيفة هي رق القرن العشرين بما تمتلكه من وقت الإنسان وماتمتلكه من مجمل علم الإنسان وتحديدها لقدرات ومهارات الشخص ضمن إطار الوظيفة نفسه، إن الوقت الذي يقضيه معظمنا في العمل يسلب طاقاته لأي أعمال خاصة أخرى فيها من الابتكار والإبداع الكثير، هي استنزاف للطاقة وتحديد لها، وفي أحسن الحالات ومع انشط الأشخاص نرى أن المساحة الخاصة الفردية التي من الممكن أن نستفيد منها لخلق أو إبداع خاص تكون جداً محدودة ما بين ساعات العمل الطويلة التي تستنزف أكثر من ٨ ساعات وساعات الأكل والترفيه والتواصل الاجتماعي سواء مع أفراد الأسرة أو الأصدقاء والنوم الصحي المحفز للدماغ على الإبداع، وتليها مسألة الإجازات المحددة مسبقا سنوياً والواجبة التبرير للاستفادة منها، والتي على سبيل المثال تحدد أيام المرض السنوية لكل شخص بما لا يتعدى الأسبوعين في احسن الحالات، ناهيك عن مساحة صاحب العمل لرفض أي إجازة يطلبها الموظف بحجة حاجة العمل.
إن التقيد أيضاً بساعات دوام محددة يلتزم بها الموظف سواء كانت مليئة بالواجبات المهنية أم كانت ساعات فارغة من الأعمال، لأي سبب من الأسباب تعتبر احتجازاً بلا معنى ولا مبرر، فالمهمات المهنية على كثرتها تنتهي بوقت محدد ومتغيرة من موسم إلى آخر وحتى من يوم إلى آخر، وقضاء هذه الساعات (تملك رب العمل لهذه الساعات يومياً من الموظف/ة) هي من السخافة بمكان بحيث أنها تشعر الموظف/ة فعلياً بالاستعباد والعجز فهي ساعات ضائعة من جهده ومن تطوره ومن حياته.
نقطة أخرى غاية في الأهمية هي تعلق الشخص وتحديده فقط بالمهام الوظيفية الملقاة على عاتقه دون تطوير لقدراته أو الاستفادة من كامل مواهبه وإبداعاته الفكرية والمهنية واليدوية، (استثني هنا أحيانا ما يتم طلبه من النساء العاملات بناء على دورهن الاجتماعي من اعداد القهوة مثلا أو بناء على الأفكار المسبقة التي تتعلق بدونية النظرة لعمل المرأة وعدم تقديره حق قدره بالطلب الدائم من الزملاء بطباعة المحاضر والاوراق التي يرى معظم الرجال في عملها ضياعاً لوقتهم الثمين) إن الدرجة العلمية التي حصل عليها الشخص والتي تم قبوله بناء عليها لشغل الوظيفة هي المحدد الرئيسي والدائم لعمل الموظف/ة، ولا تتاح لهم الفرصة أبداً للاطلاع بمهام أخرى، ومن هنا نجد الاحتكار الكامل لمجمل علم الإنسان في العمل ولو لم يتم الاستفادة من كامل علمه/ا على ارض الواقع، إحدى اهم الأمثلة التي اطلعت عليها هي دراسة الماجستير لإحدى العاملات في المؤسسات التربوية الرياضية في تخصص نفسي يهتم بالأسرة والأطفال على وجه الخصوص، هذه الدراسة وطوال سنتين كلفتها مادياً بشكل مضاعف (تكلفة الدراسة نفسها والخصميات الوظيفية عن كل يوم غياب للدراسة) وبنهاية المطاف تم توكيل مهمة جديدة بالعمل تختص بالإرشاد النفسي للأطفال لها بناء على الشهادة الجديدة التي حصلت عليها، وهو ما يمثل الاحتكار الكامل لعلمها ومعرفتها مع عدم المساهمة كحد أدنى في تطوير مهاراتها الأساسية (بغض النظر عن الدورات الدورية التي تهدف لرفع المهارة بأقل وقت لكسب أكبر استفادة من طاقات ومعارف طواقم العمل) التي كانت تحتاجها.
إن أغلب الفلاسفة والمفكرين والمخترعين الذين اضافوا احياتنا الكثير لم تحددهم وظيفة ومكتب وادراج، لقد عملوا بمنتهى الحرية والانطلاق وأثروا فعلياً علينا وعلى اجيال كثيرة وتركوا اثرهم طويل المدى على العالم، جل ماأخشاه في دوران عجلة العمل ونسيان الأحلام والمواهب والأهداف القديمة التي حلم كل واحد منا بها في سبيل توفير دخل شهري ثابت يساعدنا على تحمل الأعباء الاقتصادية التي تزداد يوما بعد يوم ودون الحلم بأي تطوير أو رفاه أو تحقيق لذواتنا لنسلب أخيرا من معنى وجوهر حياتنا.
واخيرا ادرج ما قاله احمد الزيات في هذه المسألة:
ان أولى الناس بالرثاء لاولئك الذين سلبوا جوهرة الحياة وحرية العيش وعاشوا في ظلام الوجود مكبلين على مكاتبهم


لونا داود عريقات

الجمعة، 18 يناير 2013

اعلان حقوق المرأة والمواطنة

هل ستبقى النساء معزولات بعضهن عن بعض بحيث لا يشكلن جسماً مع المجتمع؟ تتساءل أولمب دو غوج Olympe de Gouges المولودة سنة 1748م في مونتوبان- فرنسا والتي عاشت حقبة متميزة من تاريخ بلدها وأوروبا.


في نصف أيلول 1791م، نشرت أولمب إعلان حقوق المرأة والمواطنة، ليتوج عدة نصوص في الموضوع لكوندرسيه ومدام دو كامبي وعدد هام من المغمورات، رغم أن هذا النص لم يأخذ حقه من العديد ممن دافع عن المرأة مبكراً، إلا أنه يعد من أكثر البيانات تماسكاً وفرادة وأصالة، اعتقلت كاتبة البيان في تموز 1793م (اسمها الحقيقي ماري غوز، ابنة غير شرعية للشاعر الماركيز لوفرانس دو بونبنيان، رباها  بيير غوز الذي كان يعمل لحّاماً؛ والدتها آن-أوليمب ابنة صانعٍ للجوخ، تزوجت في السابعة عشر من عمرها صاحب مطعمٍ يدعى لويس-إيف أوبري وانجبت منه صبياً، وترملت مبكراً، أدمنت الكتابة السياسية والمسرحية وتعرفت على الكثيرين من المفكرين والأدباء والسياسيين ومنعت مسرحياتها من العرض لطروحاتها السياسية الجريئة، بدأت بكتابة المقالات السياسية في 1788م بمقالها الأول "رسالة إلى الشعب" تحدثت في أغلب مقالاتها عن حقوق الإنسان من النساء والسود والاصلاحات الاجتماعية وبما أنّ المنابر الرسمية لم تكن في متناول النساء، استخدمت أوليمب، لإسماع صوتها، ملصقات مطبوعة بآلاف النسخ وشاركت في نقاشات المجلس الوطني) وهي في السجن، تمكّنت من تعليق رسالتيْن هجائيّتين أخيرتيْن بعنوان "أوليمب دو غوج في المحكمة الثورية" و "إمرأة وطنية مُضطهَدة"، في 2 تشرين الثاني 1793م مثلت امام المحكمة الثورية التي رفض أعضائها حصول أولمب على محامي لتدافع هي عن نفسها ببسالة، وصدر بنفس اليوم الحكم عليها بالاعدام، وتم تنفيذ الحكم في اليوم التالي 3 تشرين الثاني 1793م، وصعدت أوليمب إلى المقصلة ووجّهت هذه الجملة الأخيرة إلى الناس المحتشدين:
"يا أبناء الوطن، ستثأرون لموتي!"

والتالي هو اعلان حقوق المرأة والمواطنة الذي كتبته في 1791م

المقدمة والمواد
تطالب الأمهات، البنات، الأخوات، ممثلات الأمة، يطالبن بالحضور ضمن مجلس وطني. معتبرات بأن الجهل، النسيان أو احتقار حقوق المرأة هي الأسباب الوحيدة للبؤس العام وفساد الحكومات، قررن التقدم، في إعلان احتفالي، بالحقوق الطبيعية، غير القابلة للتبديل والمقدسة للمرأة. يهدف هذا الاعلان الحاضر أبداً في ذهن جميع أعضاء الجسم الاجتماعي لتذكيرهم باستمرار بمكوناته التي هي حقوقهم وواجباتهم. من أجل أن يتم في كل وقت، مقارنة ممارسات السلطة عند النساء وعند الرجال، ويكون احترامها هدف كل مؤسسة سياسية. من أجل جعل مطالبات النساء، القائمة من الآن فصاعداً على مبادئ بسيطة لا يمكن الاحتجاج عليها، جزءاً من الدستور والأخلاق العامة ومناشدة السعادة للجميع.
وعليه، فإن الجنس الأعلى في الجمال وفي الجرأة وفي تحمل آلام الأمومة يعترف ويعلن، بوجود وتحت رعاية الكائن الأسمى، الحقوق التالية للمرأة والمواطنة:
مادة 1
تولد المرأة حرة وتبقى مساوية للرجل في الحقوق. ولا يمكن للتمايزات الاجتماعية إلا أن تقوم على النفع العام
مادة 2
إن غاية كل تجمع سياسي هي الحفاظ على الحقوق الطبيعية غير القابلة للزوال للمرأة والرجل. هذه الحقوق هي: الحرية، الرفاه، الأمن وخاصة مقاومة الظلم.
مادة 3
يعتمد مبدأ كل سيادة بالأساس على الأمة، التي هي في الواقع اجتماع المرأة والرجل؛ ولا يحق لأي فرد أن يمارس سلطة لا تنبع منهما بالتحديد.
مادة 4
الحرية والعدالة تعني اعطاء الآخر ما يعود إليه؛ وهكذا فإن الحدود أمام ممارسة النساء لحقوقهن الطبيعية تتمثل في الطغيان المستمر الذي يفرضه عليهن الرجل. هذه الحدود يجب أن يجري إصلاحها بقوانين الطبيعية والعقل.
مادة 5
إن قوانين الطبيعة والعقل تمنع كل عمل ضار بالمجتمع؛ وكل ما ليس ممنوعاً من هذه القوانين الحكيمة والمقدسة لا يمكن لأحد منعه، ولا يمكن لأحد أن يقوم بما لا تنادي به.
مادة 6
القانون هو التعبير عن الارادة العامة: على كل المواطنات والمواطنين المشاركة مباشرة أو عبر ممثليهم في إعداده؛ وعليه أن يكون واحداً للجميع؛ كل المواطنات والمواطنين، باعتبارهم متساوين بنظره فإن من حقهم التمتع بالكرامة والمناصب وظائف العمل العامة، كل حسب كفاءاته، بدون أي تمييز سوى ما يعود لفضائلهم وكفاءاتهم.
مادة 7
لا استثناء لأية امرأة، فهي تتهم وتوقّف وتعتقل ضمن القانون: تخضع النساء كالرجال بصرامة للقانون.
مادة 8
لا يجوز للقانون أن يقر إلا بالأحكام الضرورية والمحددة، ولا يجوز معاقبة أية امرأة إلا وفقاً لقانون تم سنه وإقرار قبل واقعة الجرم، بحيث يطبق بشكل قضائي على النساء.
مادة 9
يطبق القانون بدقة على كل امرأة تثبت إدانتها.
مادة 10
لا يحق مضايقة أحد من أجل آرائه الأساسية؛ ومن حق المرأة التي تذهب إلى المقصلة أن تعتلي منصة البرلمان، ما دامت تحركاتها لا تسبب اضطراباً للأمن العام حسب القانون.
مادة 11
إن تواصل الأفكار والآراء واحد من الحقوق الأكثر أهمية للمرأة، لأن هذه الحرية تضمن شرعية الآباء تجاه أطفالهم. كل مواطنة تستطيع أن تقول بحرية: أنا أم طفل لكم، دون فرض حكم مسبق بربري يجبرها على إخفاء الحقيقة؛ إلا للمقاضاة على الاستعمال السيء للحرية في حالات يحددها القانون.
مادة 12
ضمانة حقوق المرأة والمواطنة تتطلب نفعاً أساسياً؛ هذه الضمانة تقوم على فائدة الجميع، وليس فقط فائدة محصورة بمن تمنح لها.
مادة 13
تتساوى مساهمات الرجال والنساء في كل ما يتعلق بسير شؤون القوة العامة ونفقات الإدارة والمرأة تقوم بكل أعمال السخرة والمهمات الصعبة، ولها بالتالي أن تتقاسم بعدل توزيع الأماكن والمهمات والأشغال والمناصب وفي الصناعة.
مادة 14
من حق المواطنات والمواطنين أن يقدروا بأنفسهم أو عبر ممثليهم ضرورة المشاركة العامة. لا يمكن للنساء أن ينتسبن إلا عند قبول مبدأ المقاسمة العادلة، ليس فقط في الثروة وإنما أيضاً في الادارة العامة وفي تحديد ضريبة النصاب، الوعاء الضريبي، الجباية وزمن الضريبة.
مادة 15
لجمهور النساء المساهم مع جمهور الرجال الحق في طلب محاسبة أي موظف عام في إدارة عمله.
مادة 16
كل مجتمع تكون الحقوق فيه غير مضمونة وفصل السلطات غير محدد هو مجتمع بلا دستور.
إن أي دستور لا تشارك أغلبية الأفراد المشكلين للأمة في تحريره يعتبر ملغي.
مادة 17
تعود الملكيات لكلا الجنسين مجتمعين أو متفرقين: وهي حق لكل منهما مقدس ولا يجوز المساس به؛ كما لا يجوز أن يحرم منه أحد باعتباره تراثاً للطبيعة، إلا في حال وجود ضرورة عامة يتم تقديرها بشكل قانوني وبشرط أن يكون هناك تعويض مسبق وعادل.