الأربعاء، 26 أبريل 2023

مساحات المطبخ بين العام والخاص الطعام واحتراف الطبخ بين مكانة المرأة في الأسرة واحترافه كمهنة للرجال في سياق الأدوار الاجتماعية


 نكهة أمي في المأكولات هي الأفضل، ولا يستطيع أكبر المطاعم مقاربة نكهتها التي تضيفها في  الأطباق، عادة ما نتداول هذه الجملة وعادة ما يرتبط الطعام بالأمور الحياتية المتعلقة بالأسرة والمساحات الخاصة، وعادة ما يرتبط الطعام أيضاً بالطقوس الجمعية المتعلقة بالعبور سواء في طقوس الفرح كالزواج والولائم التي يتم اعدادها من الرجال في أغلب الأوقات أو في ولائم حالات الفقدان كالوفاة والتي أيضاً يشرف عليها الرجال، إذاً فإن فعل إعداد الطعام بذاته يندرج تحت الأفعال الاجتماعية التي يحكمها المجتمع ضمن الأدوار التي يقسمها للنساء وللرجال والمتعلقة بالطبع بالحيز العام والحيز الخاص، ففي الحيز الخاص يقترن هذا الفعل بالنساء لاقترانه بدور رعاية الأسرة المرتبط بهن، أما بالمساحات العامة والمناسبات فهو يتعلق في مكانة الرجال الممتدة في الحيز العام، وكما ذكرنا فإنه وفي الاعراس والولائم الجماعية في كثير من المناطق يتكفل الرجال بالطبخ (تحديداً المنسف في فلسطين والقدرة التي تقدم بهذه المناسبات) وهي تابعة للسيطرة على الحيز العام من قبل الرجال؛ ويرتبط العمل مدفوع الأجر في كثير من المجتمعات بالدور المناط بالرجال وهذا الدور تاريخي يعود لتقسيمات الأدوار عند اكتشاف النار في العصر الحجري الحديث، فالرجل هو حامي الخبز والمرأة هي صانعة الخبز.

ولننظر أيضاً لما يترتب عليه القيام بهذه الأدوار من تقدير اجتماعي للرجال في طقوس الانتقال مثل العزاء والزواج، بالاضافة إلى المردود المادي مقابل العمل في الطبخ للرجال والذي يعزز الدور المتعلق به كمعيل للأسرة، فمن الممكن أن يدخل الرجال لهذه المساحات عندما يتعلق ذلك بتعزيز أدوارهم في توفير المورد الاقتصادي للأسرة التي يعيلها، ويقف دوره عند هذا الحد.

وبتتبع موثق لأهم الطباخين في المجتمعات العربية وهل شغلت النساء هذه المهن، اطلعت على مجموعة من كتب الطبخ التاريخية العربية، التي كتبها الرجال واقترنت بارشادات الطبخ للسلاطين والملوك، ضمن تقسيمات علمية أحياناً وطبية أحياناً أخرى تتعلق بالمعرفة التي يجب أن يمتلكها الطباخ (مثل تقسيم الطبخ ني ومطبوخ)، فكان أول كتاب مصنف هو كتاب الطبخ الذي صدر في النصف الثاني من القرن العاشر في بغداد زمن العباسيين على يد ابن سيار الوراق وعنوانه الكامل "كتاب الطبيخ وإصلاح الأغذية والمأكولات وطيبات الأطعمة المصنوعات مما استخرج من كتب الطب وألفاظ الطهاة وأهل اللب"، وقد اعتبر أقدم كتاب عربي وصلنا من العصور الوسطى، شمل 600 وصفة فيه العديد من الموضوعات المتعلقة بالطعام، منها الفوائد الصحية لأطباق الطعام، وآثارها الصحية على الجسم أو القلب أو المزاج، ومن المرجح أن يكون إصداره كان بناء على طلب سيف الدولة الحمداني حيث تناول وصف الاطباق الخاصة بالخلفاء والأمراء وكبار الشخصيات، بارتباط مباشر بالطبخ كمهنة.

بينما نرى بوضوح تاريخ امتهان الرجال للطبخ ومساهماتهم الواضحة المتمثلة بالكتب ليس واضحاً تتبع كتابات النساء في موضوع الطبخ، وتطالعنا بعض الكتب القديمة للطبخ تعود لبدايات القرن العشرين اصدرتها النساء ولا تتعلق بالطبخ كمهنة وإنما موجهة بشكل مباشر للنساء في البيوت، تتضمن نصائح للمبتدئات وتنسيق الولائم وترتيب الملاعق والسفرة، والتخزين وعمل المربيات والمخللات وما إلى ذلك ممايفيد النساء ضمن واجباتهن اليومية في المطبخ ووظيفتهن في تغذية العائلة.

يرجح أنه وقبل سبعينيات القرن الماضي في امريكا على سبيل المثال، وتحديداً بدايات القرن التاسع عشر بدأت النساء بامتهان الطبخ كمساعدات لازواجهن ضمن الدور الاجتماعي المفروض اجتماعياً عليهن أيضاً، في بعض الحالات استلمت النساء هذه المهنة بعد وفاة أزواجهن ولم يتعدى عددهن 11 امرأة حسب كتاب "مكان للمرأة في المطبخ: تطور الشيفات" الصادر لآن كوبر في عام 1998، ويبدأ الحديث عن تولي النساء لهذه المهنة بعد سبعينيات القرن الماضي بما ينسجم مع التطور الاجتماعي لدور المرأة واقتحامها لعالم العمل خارج المنزل.

من الطريف أن المقارنات بإجادة الطبخ في الحيز العام هي الشائعة وهي التي يتم تداولها لاثبات "عجز النساء" أو عدم قدرتهن على تولي هذا النوع من المهن، في ذات الوقت فإن هذه المقارنة نادرة في الحديث عن الطبخ في الحيز الخاص للأسرة وعدم اطلاع بعض الرجال بالمطلق بهذه الأعمال، إن النظر إلى موضوع إجادة الطبخ كمهنة من الرجال دون النساء بشكل متجرد فيه الكثير من الاجحاف للنساء، فمقولة أكثر الطباخين وأمهر الطباخين من الرجال تعود لعدم توازن العلاقات والمهمات الاجتماعية بين الطرفين، فتاريخ طويل من السيطرة على المهنة بسبب إرتباطها بالعمل مدفوع الأجر المناط بالرجال، والتننافسية العالية في هذا القطاع، واستمرار عدم التوازن في الأدوار الاجتماعية ما بين الأدوار داخل وخارج المنزل، واستمرار مسؤولية رعاية الأسرة على النساء مع كامل أعبائها تحدد هذه المقارنة وتجعلنا ندرك بشكل أو بآخر أن هذا القطاع المهني الهام والشاق بذات الوقت يتطلب تغييراً عاماً في الادوار الاجتماعية، يتطلب مساواة كاملة في المهمات داخل وخارج الأسرة في الحيز العام والحيز الخاص في ذات الوقت، لنستطيع بعدها وبتجرد أن نقوم بتقييم عمل الرجال والنساء في مهنة الطبخ.